أركان البيع وشروطه وأقسامه

من يسر الشريعة الإسلامية أن وضعت للمعاملات المالية التي يتوصل بها الناس إلى حاجتهم مما في أيدي الآخرين ضوابط وأحكاما تضمن العدل والإنصاف، وتدفع الضرر والحرج، اللذين قد يسودان حياة الناس، لو لم تضبط هذه المعاملات المالية، التي منها البيع بشروطه وأركانه.

المحتوى


– مفهوم البيع وأركانه وأقسامه وشروطه.
 – الآثار المترتبة على عقد البيع.
– أحكام البيع في معاملاتي.
ما هو مفهوم البيع؟
وما هي أركانه؟
 وما هي أقسامه؟
وما هي شروطه؟
وما الآثار المترتبة عليه؟
ينعقد: يحصل ويوجد
بمعاطاة: هي إعطاء كل من المتبايعين العوض للآخر من غير تكلم ولا إشارة
تسوق بها: أوقفها في سوقها
عاقده: هو البائع والمشتري
جبر: إلزام
تمييز: فهم مقاصد العقلاء في الكلام، وحسن الجواب عنه

أولا: تعريف البيع وحكمه

1 – تعريفه
البيع لغة: نقل الملك بعوض، ويطلق على إعطاء السلعة وأخذ الثمن، وعلى أخذ السلعة وإعطاء الثمن، فهو من أسماء الأضداد، قال الله تعالى:
يوسف الآية 20
يوسف: 20
  ، أي باعوه، وفي الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: “لا يبع بعضكم على بيع بعض”. (الموطأ باب الرجل يساوم الرجل بالشيء فيزيد عليه أحد). أي لا يَشترِ. والغالب: استعمال البيع في زوال الملك بالمعاوضة، واستعمال الشراء في التملك بها.
واصطلاحا: عقد يفيد نقل ملك الذات بعوض.
وعرفه ابن عرفة بتعريفين :
أعم وهو: عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة. فلا يدخل في عقد البيع: النكاح، والإجارة، والكراء
أخص وهو: عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة ذو مكايسة، أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة، معين غير العين فيه
والمراد بالأعم مطلق المعاوضة، وبالأخص المقابل لغيره من عقود المعاوضات فتخرج هبة الثواب، والصرف، والمراطلة (بيع النقد بمثله وزنا) والسلم (بيع موصوف في ذمة البائع).
2 – حكمه
الأصل في حكم البيع الجواز، قال الله تعالى:
البقرة الآية 274
البقرة: 274
وفي الصحيح من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه” (صحيح البخاري باب الاستعفاف عن المسألة).
وتعتريه الأحكام الخمسة وهي:
الإباحة، وهو الغالب في البيوعات
الندب:كالبيع لإبرار من أُقسم عليه بالبيع
الوجوب: كبيع الطعام لمن اضطر إليه
الكراهة:كبيع بعض الحيوانات التي تراد للتسلية
الحرمة:كالبيع المشتمل على الربا، والبيع وقت نداء الجمعة، وكبيع آلة قتل لمن يقتل بها؛ لأنه عون على معصية
وباعتبار توفر الأركان والشروط وعدمه ينقسم البيع إلى: صحيح وفاسد، عند الجمهور، وإلى صحيح، وفاسد، أو باطل، عند أبي حنيفة. والفساد والبطلان مترادفان عند جمهور الأصوليين.

 

 

ثانيا: أركان البيع وشروطه

 

 

أركان عقد البيع ثلاثة: الصيغة، والعاقدان، والمعقود عليه؛ فالصيغة: ما يتم به التراضي، والعاقدان: البائع والمشتري، والمعقود عليه: الثمن والمثمن؛ فهي آيلة إلى خمسة أركان.
الركن الأول: الصيغة
وهي ما يتم به رضا المتبايعين. والبيع بدونه باطل؛ لقوله تعالى:
النساء الآية 29
النساء:29
 ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: “إنما البيع عن تراض”. (سنن البيهقي باب ما جاء في بيع المضطر).
وفي هذا الركن قال المصنف: ” يَنعقِدُ البيعُ بما يدُلُّ على الرِّضَا”.
1 – من صور الصيغة في البيع
المعاطاة، وهي: تسليم كل من المتبايعين العوض من غير تكلم ولا إشارة، ولكنه لا يلزم إلا بقبض كل منهما الثمن والمثمن. وفي ذلك قال المصنف: “وَإِنْ بِمٌعَاطَاةٍ”
قول المشتري: بعني، فيقول البائع: بعت؛ وبقول البائع: اشتر مني أو خذ بكذا، فيقول المشتري: اشتريت. وفي ذلك يقول المصنف: “وبِبِعْني، فيقولُ: بعتُ”
قول المشتري: ابتعت واشتريت، أو قول البائع: بعتك أو أعطيتك، ويرد الآخر بأي شيء يدل على الرضا. وفي هذا قال المصنف: ” وبِابْتَعْتُ، أو بِعْتُك، ويَرضَى الآخَرُ فيهمَا”
قول البائع: أبيعكها بكذا، فيرضى المشتري، ويلزم البيع؛ فلو قال البائع بعده: لا أرضى، حلف أنه ما أراد البيع، فإن لم يحلف لزمه
قول المشتري: أنا أشتريها بكذا، فيرضى البائع، ويلزم البيع؛ فلو قال المشتري بعده: لم أُرد الشراء، حلف أنه ما أراد الشراء، فإن لم يحلف لزمه. وفي ذلك يقول المصنف: ” وَحلَف، وَإِلَّا لزِمَ، إن قال: أَبِيعُكَهَا بِكَذَا، أو أنا أشتريهَا به”
أن يتسوق بالسلعة، فيقال له: بكم تبيعها؟ فيقول: بمائة، فيقول المشتري: أخذتها بها. وفي ذلك يقول المصنف: “أو تَسَوَّقَ بهَا فقال بِكَمْ؟ فقال: بِمِائَةٍ، فقال: أخذتُّها” فلو رجع البائع بعد المساومة وقال: إني لم أُرد البيع ففي ذلك تفصيل على النحو الآتي:
أن تقوم قرينة على عدم إرادة البيع فالقول للبائع بلا يمين، أو على إرادته فيلزمه البيع.
أن لا تقوم قرينة لواحد منهما، فالقول للبائع بيمينه.

 

 

2 – أقسام البيع باعتبار الصيغة
بيع المساومة وهو: ما تساوم فيه البائع والمشتري حتى تراضيا
بيع المزايدة وهو: النداء بالسعر الموجود حتى يتم البيع بالسعر الأعلى
بيع المرابحة وهو: بيان تكلفة السلعة، ثم البيع بها، أو مع ربح، أو خصم، معلومين
بيع الاستئمان وهو: قول المشتري: بعني كما تبيع الناس، ثم يأخذها بما قال البائع.
الركن الثاني: العاقد
يشمل العاقد البائع والمشتري، ويشترط فيهما أربعة شروط وهي:
التمييز، وهو شرط لصحة عقد البيع، وذلك لتوقف انتقال الملك على الرضا، وعدم إمكان الرضا من غير المميز. وفي ذلك يقول المصنف: “وشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ”. فلا ينعقد البيع من غير مميز لصغر، أو إغماء، أو جنون. أما السكر ففيه تفصيل:
سكران من حرام طافحٍ فاقدِ التمييز، لا يصح منه البيع.
سكران من غير حرام طافحٍ فاقدِ التمييز، حكمه حكم المجنون.فهو كالذي قبله في حكم البيع.
سكران عنده نوع تمييز، يصح منه البيع ولا يلزم ، فإن أفاق فله أن يرده أو يمضيه. ولا تلزمه سائر العقود والإقرارات، ما عدا الطلاق، والحدود، والجنايات.
التكليف، وهو شرط للزوم عقد البيع؛ فلا يلزم بيع الصبي لعدم تكليفه وفقدانه أهلية التصرف. وفي ذلك يقول المصنف: ” وَلُزُومِهِ تَكْلِيفٌ”. وهو شرط في بيع الشخص متاع نفسه، وأما في بيعه متاع غيره بالوكالة فلا يتوقف على التكليف، ويُكتفَى بالإذن السابق بالوكالة العامة في البيع.
الرشد، وهو شرط للزوم عقد البيع؛ فلا يلزم عقد بيع المحجور عليه، كالصبي، والسفيه، ولا يمضي بيعه ولا يلزم وإن كان صحيحا إلا بإجازة وليه، والأصل في هذا قول الله تعالى:
النساء الآية 6
النساء:6
وقوله تعالى:
البقرة الآية 281
البقرة: 281 .

الطوع والاختيار:

يشترط في البائع أن يكون مختارا لا مكرها على البيع ولا على سببه، فإن أكره ففي ذلك تفصيل:
أ – الإكراه بغير حق شرعي :لا يلزم عقد بيع المكره بغير حق على البيع أو سببه؛ لأنه لا رضا مع الإكراه، ويُرد عليه ما أُجبِر على بيعه مع رده للثمن إلا إن تلف منه بلا تفريط ببينة، ويُرد عليه بدون رد الثمن ما أُجبِر على سببه، كدفع مال لظالم. فباع متاعه لذلك.
ب – الإكراه بحق شرعي : وهو المعروف بنزع الملكية: كمن ألزمه ولي الأمر البيع ليوفي من ثمنه حق غيره، فيمضي عليه البيع، ولا يرد إليه المبيع، ويأخذ رب الحق شيئه إن بقي بعينه. وكذلك من أجبر على البيع لتوسعة المسجد، أو الطريق، أو المقبرة، أو على بيع سلعة لأداء دين، أو خراج، أو نفقة واجبة؛ فهؤلاء يمضي عليهم البيع، ولو مع الإجبار. وفي كل ذلك يقول المصنف: “لَا إِن أُجْبِر عليه جَبْراً حَراماً، ورُدَّ عليْه بلا ثَمنٍ، ومَضَى في جَبْرِ عَاملٍ.

الركن الثالث: المعقود عليه وهو: الثمن والمثمن

ويشترط فيهما شروط ستة:

الطهارة، وهي شرط صحة. ويلزم أن تكون طهارة أصلية باقية، وإن عرض لها من النجاسة ما يمكن إزالته وجب تبيينه؛ لأن النفوس تكرهه، فإن لم يبين ثبت الخيار للمشتري، فلا يصح بيع ما نجاسته أصلية: كزبل غير مباح إلا لضرورة ، أو لا يمكن طهارته كزيت متنجس ونحوه. وفي ذلك يقول المصنف: ” وَشُرِطَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ طَهَارَةٌ، لَا كَزِبْلٍ، وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ”.
الانتفاع به انتفاعا شرعيا، فلا يجوز بيع حيوان محرم الأكل مشرف على الموت، لعدم الانتفاع به، أما المباح المشرف على الموت فيجوز بيعه، إن لم يبلغ حد النزع. وفي ذلك قول المصنف: ” وَانْتِفَاعٌ، لَا كَمُحَرَّمٍ أَشْرَفَ”.
عدم النهي عن بيعه، كالكلب، على أنه يجوز بيع كلب الصيد والحراسة ونحوهما. وفي ذلك يقول المصنف: “وَعَدَمُ نَهْيٍ، لَا كَكَلْبِ صَيْدٍ، وَجَازَ هِرٌّ، وَسَبُعٌ لِلجِلْدِ”.
القدرة على تسليمه وتسلمه؛ فلا يجوز ما يلي:
بيع حيوان شارد لم يعلم موضعه، أو عُلم ولا يسهل خلاصه، أو سهل خلاصه ولم تعلم صفته، أو أهمل في المرعى، حتى توحش، وإلا جاز، إذ هو مقدور عليه حينئذ.
بيع مغصوب لغير غاصبه، وكان ممن لا تناله الأحكام، أو تناله وهو منكر، فإن كان مقرا، أو كان البيع له جاز؛ لأنه مسلِّم بالفعل للمشتري. وفي ذلك يقول المصنف: “وَقُدْرَةٌ عَلَيْهِ … إلى قوله: تَرَدُّدٌ”.
وللغاصب نقض بيع ما باعه أو وهبه قبل ملكه من مالكه، أو يوقفه إن ورثه من المغصوب منه؛ لانتقاله إليه، وليس له النقض بعد أن باعه إن اشتراه من المغصوب منه، أو ملكه منه بهبة أو صدقة. وفي ذلك يقول المصنف: “وَلِلْغَاصِبِ نَقْضُ مَا بَاعَهُ، إنْ وَرِثَهُ، لَا اشتراه”.
Scroll to Top